كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب} أي ما كنت ترجو أنا نرسلك إلى العباد، وننزل عليك القرآن. وقيل: ما كنت ترجو أن يلقى إليك الكتاب بردّك إلى معادك، والاستثناء في قوله: {إِلاَّ رَحْمَةً مّن رَّبّكَ} منقطع، أي لكن إلقاؤه عليك رحمة من ربك، ويجوز أن يكون متصلًا حملًا على المعنى، كأنه قيل: وما ألقى إليك الكتاب إلاّ لأجل الرحمة من ربك.
والأوّل أولى، وبه جزم الكسائي والفرّاء {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} أي عونا لهم، وفيه تعريض بغيره من الأمة. وقيل: المراد: لا تكوننّ ظهيرًا لهم بمداراتهم.
{وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءايات الله بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ} أي لا يصدنك يا محمد الكافرون وأقوالهم وكذبهم وأذاهم عن تلاوة آيات الله والعمل بها بعد إذ أنزلها الله إليك وفرضت عليك. قرأ الجمهور بفتح الياء وضم الصاد من صدّه يصدّه. وقرأ عاصم بضم الياء وكسر الصاد، من أصدّه بمعنى صدّه.
{وادع إلى رَبّكَ} أي ادع الناس إلى الله، وإلى توحيده، والعمل بفرائضه، واجتناب معاصيه {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} وفيه تعريض بغيره كما تقدّم، لأنه لا يكون من المشركين بحال من الأحوال، وكذلك قوله: {وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} فإنه تعريض لغيره.
ثم وحد سبحانه نفسه، ووصفها بالبقاء والدوام، فقال: {لاَ إله إِلاَّ هُوَ كُلُّ شَيْء} من الأشياء كائنًا ما كان {هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} أي إلاّ ذاته.
قال الزجاج: وجهه منصوب على الاستثناء، ولو كان في غير القرآن كان مرفوعًا بمعنى كلّ شيء غير وجهه هالك، كما قال الشاعر:
وكلّ أخ مفارقه أخوه ** لعمر أبيك إلاّ الفرقدان

والمعنى كلّ أخ غير الفرقدين مفارقه أخوه.
{لَهُ الحكم} أي القضاء النافذ يقضي بما شاء، ويحكم بما أراد {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} عند البعث؛ ليجزي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته، لا إله غيره سبحانه وتعالى.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {سَرْمَدًا} قال: دائمًا.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه {وَضَلَّ عَنْهُم} يوم القيامة {مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} قال: يكذبون في الدنيا.
وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف، وابن المنذر وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه عنه أيضًا: {إِنَّ قارون كَانَ مِن قَوْمِ موسى} قال: كان ابن عمه، وكان يتبع العلم حتى جمع علمًا فلم يزل في أمره ذلك حتى بغى على موسى، وحسده، فقال له موسى: إن الله أمرني أن آخذ الزكاة، فأبى، فقال: إن موسى يريد أن يأكل أموالكم جاءكم بالصلاة، وجاءكم بأشياء فاحتملتموها، فتحتملون أن تعطوه أموالكم؟ فقالوا: لا نحتمل فما ترى؟ فقال لهم: أرى أن أرسل إلى بغيّ من بغايا بني إسرائيل، فنرسلها إليه، فترميه بأنه أرادها على نفسها، فأرسلوا إليها، فقالوا لها: نعطيك حكمك على أن تشهدي على موسى أنه فجر بك، قالت: نعم، فجاء قارون إلى موسى فقال: اجمع بني إسرائيل فأخبرهم بما أمرك ربك، قال: نعم، فجمعهم فقالوا له: ما أمرك ربك؟ قال: أمرني أن تعبدوا الله، ولا تشركوا به شيئًا، وأن تصلوا الرحم وكذا وكذا، وأمرني إذا زنا، وقد أحصن أن يرجم، قالوا: وإن كنت أنت. قال: نعم، قالوا: فإنك قد زنيت. قال: أنا؟ فأرسلوا للمرأة، فجاءت، فقالوا: ما تشهدين على موسى؟ فقال لها موسى: أنشدك بالله إلاّ ما صدقت. قالت: أما إذا نشدتني بالله فإنهم دعوني وجعلوا لي جعلًا على أن أقذفك بنفسي، وأنا أشهد أنك بريء، وأنك رسول الله، فخرّ موسى ساجدًا يبكي، فأوحى الله إليه: ما يبكيك؟ قد سلطناك على الأرض، فمرها فتطيعك، فرفع رأسه، فقال: خذيهم فأخذتهم إلى أعقابهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، فجعلوا يقولون: يا موسى يا موسى، فقال: خذيهم، فأخذتهم فغشيتهم، فأوحى الله: يا موسى سألك عبادي وتضرّعوا إليك فلم تجبهم، وعزّتي لو أنهم دعوني لأجبتهم. قال ابن عباس: وذلك قوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} خسف به إلى الأرض السفلى.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن خيثمة قال: كانت مفاتيح كنوز قارون من جلود، كل مفتاح مثل الأصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حملت المفاتيح على سبعين بغلًا أغرّ محجل.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه قال: وجدت في الإنجيل أن بغال مفاتيح خزائن قارون غر محجلة لا يزيد مفتاح منها على إصبع لكل مفتاح كنز. قلت: لم أجد في الإنجيل هذا الذي ذكره خيثمة.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {لَتَنُوأُ بالعصبة} قال: تثقل.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: لا يرفعها العصبة من الرجال أولو القوّة.
وأخرج ابن جرير عنه أيضًا قال: العصبة: أربعون رجلًا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضًا في قوله: {إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الفرحين} قال: المرحين، وفي قوله: {وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدنيا} قال: أن تعمل فيها لآخرتك.
وأخرج ابن مردويه عن أوس بن أوس الثقفي، عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ} في أربعة آلاف بغل.
وقد روي عن جماعة من التابعين أقوال في بيان ما خرج به على قومه من الزينة، ولا يصحّ منها شيء مرفوعًا، بل هي من أخبار أهل الكتاب كما عرفناك غير مرّة، ولا أدري كيف إسناد هذا الحديث الذي رفعه ابن مردويه، فمن ظفر بكتابه، فلينظر فيه.
وأخرج الفريابي عن ابن عباس في قوله: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرض} قال: خسف به إلى الأرض السفلى.
وأخرج المحاملي، والديلمي في مسند الفردوس عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلاَ فَسَادًا} قال: «التجبر في الأرض والأخذ بغير الحق» وروي نحوه عن مسلم البطين، وابن جريج، وعكرمة.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير: {لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض} قال: بغيًا في الأرض.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: هو الشرف والعلوّ عند ذوي سلطانهم.
وأقول: إن كان ذلك للتقوّي به على الحق، فهو من خصال الخير لا من خصال الشرّ.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عليّ بن أبي طالب قال: إن الرجل ليحبّ أن يكون شسع نعله أفضل من شسع نعل صاحبه، فيدخل في هذه الآية: {تِلْكَ الدار الآخرة نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأرض وَلاَ فَسَادًا} قال ابن كثير في تفسيره بعد ذكر هذه الرواية عن عليّ رضي الله عنه: وهذا محمول على من أحبّ ذلك لا لمجرّد التجمل، فهذا لا بأس به.
فقد ثبت: أن رجلًا قال: يا رسول الله إني أحبّ أن يكون ثوبي حسنًا ونعلي حسنة. أفمن الكبر ذلك؟ قال: «لا، إن الله جميل يحبّ الجمال» وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عليّ بن أبي طالب: أنه قال: نزلت هذه الآية، يعني {تِلْكَ الدار الآخرة} إلخ في أهل العدل والتواضع من الولاة وأهل القدرة من سائر الناس.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن مردويه عن عدي بن حاتم قال: لما دخل عليّ النبيّ صلى الله عليه وسلم ألقى إليه وسادة، فجلس على الأرض، فقال: أشهد أنك لا تبغي علوًّا في الأرض، ولا فسادًا فأسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك.
وأخرج أيضًا ابن مردويه عن عليّ بن الحسين بن واقد: أن قوله تعالى: {إِنَّ الذي فَرَضَ عَلَيْكَ القرءان} الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجحفة حين خرج النبيّ صلى الله عليه وسلم مهاجرًا إلى المدينة.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي من طرق عن ابن عباس في قوله: {لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} قال: إلى مكة.
زاد ابن مردويه كما أخرجك منها.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري: {لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} قال: الآخرة.
وأخرج ابن أبي شيبة، والبخاري في تاريخه، وأبو يعلى وابن المنذر عنه أيضًا في قوله: {لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} قال: معاده: الجنة، وفي لفظ: معاده آخرته.
وأخرج الحاكم في التاريخ، والديلمي عن عليّ بن أبي طالب قال: {لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ} الجنة.
وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس نحوه.
وأخرج ابن مردويه عنه قال: لما نزلت: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] قالت الملائكة: هلك أهل الأرض، فلما نزلت: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الموت} [آل عمران: 185] قالت الملائكة: هلك كلّ نفس، فلما نزلت: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} قالت الملائكة: هلك أهل السماء والأرض.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس: {كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} قال: إلاّ ما أريد به وجهه.
{الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (4) مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ (9) وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِنْ جَاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (12) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ (13)}.
قد تقدّم الكلام على فاتحة هذه السورة مستوفى في سورة البقرة والاستفهام في قوله: {أَحَسِبَ الناس} للتقريع، والتوبيخ و{أَن يُتْرَكُوا} في موضع نصب بحسب، وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قول سيبويه، والجمهور، و{أَن يَقُولُوا} في موضع نصب على تقدير: لأن يقولوا، أو بأن يقولوا، أو على أن يقولوا وقيل: هو بدل من أن يتركوا، ومعنى الآية: أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء {أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} أي وهم لا يبتلون في أموالهم، وأنفسهم، وليس الأمر كما حسبوا، بل لابد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان، واستبعاده، وبيان أنه لابد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها.
قال الزجاج: المعنى: أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم؟ وهو قوله: {أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}.
قال السدّي وقتادة ومجاهد: أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب، وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه، وظاهرها شمول كلّ الناس من أهل الإيمان، وإن كان السبب خاصًا فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرّة.
قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نازلة في سبب خاص، فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر، ونكاية العدوّ وغير ذلك.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي هذه سنة الله في عباده، وأنه يختبر مؤمني هذه الأمة كما اختبر من قبلهم من الأمم كما جاء به القرآن في غير موضع من قصص الأنبياء وما وقع مع قومهم من المحن وما اختبر الله به أتباعهم، ومن آمن بهم من تلك الأمور التي نزلت بهم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُوا} في قولهم: آمنا {وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} منهم في ذلك، قرأ الجمهور: {فليعلمنّ} بفتح الياء، واللام في الموضعين، أي ليظهرنّ الله الصادق والكاذب في قولهم ويميز بينهم، وقرأ عليّ بن أبي طالب في الموضعين بضم الياء وكسر اللام.
والمعنى: أي يعلم الطائفتين في الآخرة بمنازلهم، أو يعلم الناس بصدق من صدق، ويفضح الكاذبين بكذبهم، أو يضع لكلّ طائفة علامة تشتهر بها وتتميز عن غيرها.
{أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} أي يفوتونا، ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يعملون، وهو سادّ مسدّ مفعولي حسب، وأم هي المنقطعة {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك: وقال الزجاج: {ما} في موضع نصب بمعنى: ساء شيئًا أو حكمًا يحكمون. اهـ.